
تنفّسَ كثيرٌ من الأطباء و المعالجين النفسيين حول العالم الصعداءَ بعد إدراج منظمة الصحة العالمية
لإدمان اللعب الافتراضي (إدمان ألعاب الإلكترونية) تحت خانة الأمراض العقلية.
كتبت ستيلا مالي (كاتبة و طبيبة نفسية) تقول : “أخيراً ، أصبح الآن باستطاعتنا توصيف هذه المشكلة كما نراها نحن” – أي أنّها مرض إدمانيّ – .
بعد أن تمَّ تصنيف اضطراب اللعب الافتراضي كحالة عقلية مرضية ، كان حقّاً على المعالجين النفسيين أن يأخذوا الأمر بجدّية أكثر ، وأن يتوقّفوا عن الثرثرة وتحريك اللسان ببعض الكلمات العبثية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، عندما يؤتى بمراهقٍ سمينٍ شاحب الوجه إلى العيادةِ و أهله يجرّونه جرّاً ، وقد أصيب بهذا الاختلال السلوكي .
و أخيراً ، باستطاعتنا الآن تسمية الأمور بمسمّياتها الحقيقية ، و أن نخبر هذه الجثث الهامدة ذوات الأصابع الخارقة أنّهم عرضة لأن يصبحوا فريسةً لهذه المشكلة الخطيرة ، مشكلة اضطراب اللعب الافتراضي .
.
هل هو سلوك “غير ضار” حقّاً ؟
قد يعترض البعض و يقول: هذا هراء لا طائل تحته ، و هذا التصنيف الذي وضعته منظمة الصحّة العالمية يثير فزعاً وهمياً لا داعي له؛ بسبب سلوك طبيعي لا ضرر فيه.
في الحقيقة ، هذا التصنيف لا يستهدف الفئة التي تقضي ساعةً أو اثنتين في اللعب الافتراضي مع الأصحاب ، و إنما يتحدّث عن سلوك إدمانيّ خطير يدمّر حياة البشر .
عندما نرى المنغمس في هذا الواقع الافتراضي يرفض الخروج مع أصدقائه لمجرّد أنه استعاض عنهم بلاعبين وهميين، يعتبرهم أصدقاء حقيقيين أكثر من رفقائه القدامى ، فهذا يقودنا بلا شكٍّ للجزم بأن هذه علامة صادقة على أنّ هناك مشكلة حقيقية
.
الأمر جدٌّ لا هزل
المصاب بهذا الاضطراب يبقى مستيقظاً طوال الليل يحملق في الشاشة ، و قد يستيقظ قاطعاً نومه في منتصف الليل؛ ليعاود إكمال اللعب ، و قد يتخلّى عن أحبائه، ويتنكّر لمسؤولياته فداءً لهذا العالم الوهمي .
سينسى أن يأكل ، و سيُهمِل نظافته الشخصية ، وقد يحرم نفسه من قضاء حاجته ، وقد يصل به الأمر إلى أن يقضي حاجته في مكانه (أعزّكم الله) على أن لا يترك اللعب ويذهب للحمّام.
في العام المنصرم ، وفي أثناء ماراثون لتسجيل أطول فترة لعب على الإنترنت ، انهار اللاعب “براين فيجنولت : 35 عاما” بعد أن أتمّ 23 ساعة متواصلة من اللعب، وأخذ استراحة للتدخين ، ثم مات أمام المشاهدين – و بالمناسبة المقطع منتشر على اليوتيوب – . و بالمثل أيضاً ، مات اللاعب “تو تاي : 24 عاما” في مقهى للألعاب بعدما قضى 19 ساعة من اللعب المتواصل ، و قد أصابته نوبة تشنّج قبل موته ، و مقطع موته أيضاً منتشر على اليوتيوب . و في تايوان في مقهى للألعاب أيضاً ، بقي “هسيه : 23 عاما” ميّتاً لبضع ساعات قبل أن يتمَّ اكتشاف موته
.
الهِكيكومورِيّة
أي (التقوقع) . تمَّ نحت هذا المصطلح في اليابان؛ وذلك لوصف الشخص المنسحب اجتماعياً من الحياة الحقيقية إلى العالم الافتراضي . و من بين 127 مليون ياباني هناك 700 ألف “هيكيكوموري” ، و من المتوقّع أنّ هناك 1.5 مليون ياباني مرشّح لنيل هذا اللقب .
لكنّ هذا الوباء ليس حكراً على اليابان وحدها ، بل إنّ هناك حالات مسجّلة في الولايات المتحدة و كوريا الجنوبية و المغرب و إسبانيا و فرنسا و إيطاليا . و جديرٌ بالذكّر أنّي عملت طبيبةً في مدينة بير التابعة لمقاطعة أوفالي في إيرلندا ، و كنتُ أستقبل مكالمات من بعض الأهالي يشتكون من انعزال أبنائهم التام عن العالم، و انغماسهم في الواقع الافتراضي .
يعيش هؤلاء الأفراد في الغالب مع ذويهم ، و قد تصل جلساتهم إلى 23 ساعة من الانعزال التام ، يتصفّحون الشبكة، و يلعبون الألعاب .
و ترى الأهل و عمال توصيل الطلبات يضعون لهم الطعام على أبواب غرفهم ، و تجد أنّ الرابط الوحيد بينهم و بين العالم الحقيقي هو المرحاض -أعزّكم الله
– .
اضطراب ألعاب الفيديو
كما أشرنا سابقاً إلى أنّ منظمة الصحة العالمية أدرجت إدمان ألعاب الفيديو ضمن قائمة الأمراض و الاضطرابات العقلية ، فإن هذا الاضطراب يتميّز بثلاث خصائص هي : ضعف التحكّم بالذات أثناء اللعب ، و تعلية اللعب على جميع الأولويات و الاهتمامات الأخرى ، و التمسّك بهذا الفعل رغم عواقبه السيئة و المشاكل التي يسبّبها له في حياته .
” كان الابن مسالماً ، و الأمر يجري بشكل طبيعي وهادئ ، إلى أن حاولنا أن نوقف اللعبة أو نطفئ الجهاز للخلود إلى النوم أو مغادرة البيت ، و إذا بالصبيّ الوديع يتحوّل إلى وحش مسعور يص؛رخ لأنه كان على وشك أن يطوّر من نفسه، و يرتقي إلى المستوى التالي في اللعبة ” .. هذه هي القصّة المتكررة التي كان يسردها لي الآباء عندما يأتون يشتكون من إدمان أبنائهم.
و بحكم التجربة ، فإن الإدمان إذا أدّى إلى اختلال في أحد مجالات الحياة الرئيسية كالصحّة أو الحياة المدرسية أو الحياة الأسرية ، فمن المفترض أن يُنظر إليه كمشكلة حقيقية بحاجة إلى معالجة
.
إنكار الأثر
الإنكار هو ردّة الفعل المعتادة لدى كل المدمنين ، فالمدمن مستعدٌّ لأن يجوب الأرض بطولها و عرضها؛ لكي يبرر فعله، و يدحض اعتقادك، و بالتالي يأخذ التصريح لإكمال إدمانه .
وكما صرّح لي بعض المدمنين و قال : ” إنّي أفضّل أًصدقائي في اللعبة على أصدقائي الحقيقيين ، بل و حتّى أفضّل نفسي في العالم الافتراضي على نفسي في العالم الحقيقي” . المشكلة في ذلك أنّ الواقع الافتراضي يستحيل أن يعوّضك عن المشاعر والعواطف التي تكتسبها من العلاقات في عالمنا الحقيقي .
لا يمكنك في هذا العالم أن تحبّ شخصاً حبّاً حقيقياً ، و لا يمكن أن تتبادل الأحضان مع صديقك الحميم، على الرغم من أنّ المحادثات في اللعبة قد تطول و تتّسع ، إلّا أنّ هناك شيئاً ما لا زال مفقوداً
.
الحياة الضائعة
رغم أنّ الحياة الافتراضية مليئة بالإثارة و الحماس ، ورغم أنّ الدماغ يكاد يشتعل نوراً من التحفيز الكهروكيميائي فيه ، بحيث يعطيك إحساساً وكأنّك انتصرت – حين انتصرت في اللعبة – انتصاراً حقيقياً ، وتحذر من العدو في اللعبة كأنّك تترقب عدوّاً حقيقياً ، لكن في الحقيقة كلّ ذلك ليس من الواقع في شيء .
ذلك الحاضر الغائب ، المنفصل عن واقعه ، الفاقد لجمال الطبيعة ، و المحروم من علاقات المودّة و الحب ،يا ليته يتذوّق طعم الرضا بعد المشقّة . مسكين ذلك المدمن ، تتبدد كل إنجازاته بمجرّد قيامه من مجلسه و تحريك عينه عن الشاشة .
ترجمة: براء حجازي
مراجعة: محمد حسونة
أتفق في كل شيء عدا أنه لا تستطيع تكوين صداقات حقيقية أو أنه الحب الموجود مجرد حب وهمي , عندي أصدقاء أعرفهم من 4 سنين من الألعاب إلا الآن أكلمهم من فترة لفترة وعندهم معزة في قلبي رغم أننا تركنا اللعبة التي كانت تجمعنا , وكمان ممكن تطور العلاقة لدرجة أنه اللاعبين يتفقون لكي يتقابلون في الواقع , وبالنسبة للحب في ناس حبو عن طريق النت والألعاب والآن هم متزوجين وفي كثير غيرهم