
سابقاً قبل هذا الأسبوع،
كتبت مقالة عن الأنباء الأخيرة في ولاية كنساس فقد ازداد معدّلات اعتداء الجنسي
للأطفال على بعضهم البعض بشكلٍ حاد، و لوحظ أن في المملكة المتحدة قد أبلغت الشرطة
عن هذه الظاهرة أيضا( ما يُقارب 40 ألف حالة خلال عامين فقط). و بعد وقت قليل من
نشر المقالة، تلقيت بريداً إلكترونيا من أم قد تواصلت معي لأنها لم تسمع حديثا عن
هذه الظاهرة في مكان آخر.
سألتها إذا كان بإمكاني مشاركة قصتها، لأنها مثال قوي يوضح لما نحن بأمسّ الحاجة
إلى مواجهة كارثة الإباحية في عائلاتنا، مساجدنا، مدارسنا، و في مجتمعاتنا. أرسلت
قائلة: “أنا لستُ كاتبة، فقط سأُخبر عما يدور في قلبي. أتمنى فقط أن يكون
كلامي هذا مُفيداً ليَعلم الناس كم أن الإباحية شيءُ شنيع، و يعلموا الضرر الذي
تسببه للأطفال والعائلات كما فعلت معنا.”
كان خطؤها الأول هو إعطاء ابنها المراهق هاتفاً ذكياً. كتبت لي قائلة: “ندمي
الشديد هو إعطاء ابننا جهاز آيفون في عيد ميلاده عندما كان في الصف الثامن (13
عام). أراد ابني أن يمتلك هاتفا بشدة. فكرت أنا و زوجي أن الهاتف مكافأة جيدة لحسن
تصرفه. كذلك لكونه مستعدا للذهاب للمدرسة الثانوية خلال بضعة أشهر، أصدقاؤه
يمتلكون هواتف، لم يكن يقوم أي مشاكل و كان أيضا طالباً مجتهداً. كان متحمّساً
للغاية عندما فتح هديته. حتى أنه قد اغرورقت عيناه بالدموع . لم نكن نعلم أننا
جميعا سنبكي أيضا بسبب مخاطر ذلك الهاتف.”
يُعتبر الضغط الذي تعرض له هذان الوالدان شائعاً جداً. وقد كتبت مراراً وتكراراً
أنه لا ينبغي إعطاء الأطفال هاتف ذكي، حتى في المرحلة الثانوية ( إن أمكن ذلك)، وأجاب
العديد من الآباء بقولهم أن طلبات الحصول على هاتف ذكي كانت بلا هوادة. تُجرى حياة
معظم المراهقين الاجتماعية في العالم الإلكتروني – و هو عالم من وسائل التواصل
الاجتماعي الذي يمكن الوصول إليه فقط عبر الهاتف الذكي، لهذا يريد الأطفال وبشدة
إقتناء ذلك الجهاز الذي يتيح لهم إمكانية الدخول لهذا العالم.
كتبت الأم قائلة: “لاحظت بعد فترة وجيزة من حصول ابني على الهاتف أنه كان
يستخدمه كثيراً جداً. كنت أجبره أن يضع الهاتف جانبا، لكنه سرعان ما كان يلتقطه
مرة أخرى. أبقيت الهاتف في حجرة نومنا ليلاً. لم أكن أريد أن يبحث عن أشياء غير
لائقة، أتذكر أنني كنت أفكر هكذا. لم أكن أعلم أنه يشاهد الأفلام الإباحية بالفعل.
” و من هنا تحولت الأمور من السيء إلى الأسوء.
أكملت قائلة: “في ذلك الصيف، لم نكن نعلم أنه سيطبق ما تعلمه على تلك المواقع
الإباحية -الإعتداء الجنسي- على حفيدتي. و لأنه كان فتى ‘مسؤولاً’، جعلته أخته،
التى كانت متزوجة، يرعى الأطفال عندما كانت بالخارج تقوم ببعض الأعمال. و يوما ما
، مررت بالصدفه بجوار المنزل فذهبت لزيارتها و قرعت الباب. فتح ابني الباب وذهب
للحمام بسرعة. أتت حفيدتي الجميلة إلىّ و أخبرتني بعفوية ما فعله ابني بها. و
سرعان ما جثوت على ركبتاي من هول ما سمعت، فطلبت منها أن تكرر ما تفوهت به لتوها.
كانت تلك اللحظة هي بداية
الكابوس:
لم أستطع أن أصدق ما سمعته منها. كررت حفيدتي ما قالته و قد صُعقت. إحتضنتها و من
ثم سمعت صوت باب الجراچ يُفتح. وصلت ابنتي للمنزل. أمسكت حفيدتي و طلبت منها أن
تحكي لأمها ما أخبرتني إياه. ابنتي المسكينة. كانت تعابير وجهها تنطق بالرعب،
لكنها بقيت هادئة لأجل ابنتها. وأخبرتها كم أنها فخورة بها لإخبارنا ما حدث.
نظرت أنا وابنتي لبعضنا البعض بصدمة تامة و تقزز. ماذا سنفعل؟ ظللنا نردد هذا
السؤال مرارا وتكرارا. طلبت من ابنتي أن تُبقي إبنتها بعيدا وبذلك لن تستطيع أن
تراني وانا أواجه ابني. كان لايزال بالحمام، أخبرته بهدوء أن يُسرع، علينا الذهاب
إلى المنزل. خرج، وأخبرته أن يدخل غرفة حفيدتي حيث وقعت فعلته. أغلقت الباب، و
بهدوء و فورا أخبرته ما قالته حفيدتي. أنكر ذلك، لكني أخبرته أن فتاة ذات أربع
سنوات لن تصف ما حدث لها بهذه الطريقة دون أن يكون قد وقع بالفعل.
أخبرته أن يذهب و يجلس بالسيارة وأخبرت ابنتي أنني سأتصل بالشرطة. استدعى زوج ابنتي
الشرطة. أتت الشرطة لمنزلهم و قالوا أنهم سيقومون باستجواب ابننا في الصباح.
وفي الصباح، أخذنا ابننا لمركز الشرطة و أخبرناه أن يقول الحقيقة. بعد استجوابه،
أخبرنا المحقق أنه سيذهب به لسجن الأحداث و من المحتمل أن يقضي بضعة أيام هناك.
كان قد بلغ الثالثة عشر قبل بضعة أشهر، ولم يسمح له المدعي العام بالعودة
للمنزل… أراد الوصي القانوني أن يُسجن في سجن الأحداث التابع للولاية، باعتباره
معتدياً جنسياً، لبقية حياته و لن يخرج حتى يصل لسن الخامسة و العشرين.
عند تلك اللحظة، كتبت لي الأم، أنها قررت هي و زوجها أن يقاتلوا لأجل ابنهم؛ لأنهم
شعروا أنه مجرد طفل و كذلك بحاجة إلى المساعدة. قاموا بتوكيل محامي، خوفا من ما قد
يحدث لابنهم على يد السجناء الآخرين إذا أُرسل لسجن الولاية حقاً، تقول:
لقد كانت معركة طويلة. اكتشفنا، في منتصف تلك الأشهر العشرة، أن إبني قد تحرش
بإثنين آخرين من أحفادنا. لم يخبرنا بالحقيقة و كنا مستاءين للغاية. أردنا أن نستسلم.
تحدثنا بعدها مع أحد المعالجين النفسيين بشأن ما يجب القيام به، فأحالنا إلى متخصص
يتعامل مع المراهقين الذين يتحرشون بالأطفال. أكد لنا المتخصص أن ذلك لا يعني أنه
سيكون متحرشاً لبقية حياته… قال لنا أن الإباحية مشكلة كبيرة و أن هذا وارد
الحدوث. أخبرنا أن الأطفال المتحرشين خائفون أن يكونوا العلاقات الجنسية مع
الأطفال الذين هم في نفس أعمارهم، لذلك يحاولون أن يطبقوا ما تعلموه من مشاهدة
الإباحية على الأطفال الأصغر سناً. أخبرنا عن مراهقين يعالجهم في عيادته الآن، و
كيف أنهم غيروا حياتهم و أصبحوا مواطنين صالحين.
أحضروا طبيباً نفسياً، و قد أيد رأي المعالج. رغم ذلك، أصر الوصي القانوني أن يرسل
الفتى لسجن الولاية، واستخدم أساليب المماطلة. في نهاية المطاف، كانت العقوبة 10
أشهر في سجن الأحداث على أن يتلقى العلاج النفسي أسبوعيا بعد قضاء تلك الفترة. لكن
هناك آخرين كُثر من مرتكبي الجرائم الجنسية يظلوا بالسجن لبقية حياتهم بسبب جرائم
بشعة ارتكبوها عندما كانوا في الثانية عشر والثالثة عشر من عمرهم. أثرّت تلك
الأحداث على العائلة بحيث جعلتها غير قابلة للإصلاح:
نعيش هذا الكابوس مرارا و تكرارا. نعتبر
الآن أسرتان منفصلتان. لكن برحمة الله أن بناتنا مازالوا في حياتنا. نحن خائفين أن
يبتعدوا عنا بسبب قتالنا لأجل ابننا… لقد أضاف ذلك الأمر عبئاً في
علاقتنا، لكننا نحب بعضنا البعض، و نأمل أن الزمن سيشفي هذه الجروح. لا يريدون أن
تربطهم أي علاقة بابننا.
لم أتخيل يوما أن عائلتنا ستصبح هكذا. كنا
فخورين بعائلتنا. تزوجت فتياتي الاثنتين من رجالين لطيفين ولديهم أطفال رائعين.
كنا نحيا مثل هذه الحياة الجميلة قبل حدوث كل ذلك. لا نستطيع أن نعود كما كنا
سابقا. إن الأمر أشبه بالموت. حقا إنه كذلك. اشتقت لحياتنا السابقة قبل أن أشتري لابني
جهاز الآيفون. لكن، طالما نحن مسوؤلين عنه، لن يحمل ذلك الجهاز مرة أخرى. كذلك،
روقب الأنترنت على جهاز الكمبيوتر في المنزل. الإباحية شر كبير، يفرق بين أفراد
العائلات. أوصي بشدة عدم السماح للأطفال بامتلاك آيفون، هاتف ذكي،… إلخ.
إن هذا الأمر لا يُناقش عادةً. لا أحد يريد أن يتحدث عما تسببه الإباحية من فظائع.
والآن، أعاني أنا و زوجي بمفردنا. إنه عبء ثقيل جدا. لقد تلوثت تلك الذكريات
الجميلة التي حاولنا صنعها كأب و أم مع بناتهم و ولدهم أو كجد و جدة مع أحفادهم
بسبب هذا البلاء الذي أصاب عائلتنا. ندعو كل يوم لأجل التعافي، التسامح، و
التصالح. إذا أمكن حديثي أن يمنع أي عائلة من مواجهة ما واجهناه، سيخفف هذا مرارة
ما نعيشه.
-أدعو أن يكون هناك شيئا يمكن فعله بشأن سهولة وصول المراهقين للإباحية. ينبغي أن
تكون الإباحية شيئا محظورا، مثلها كشرب الخمر و تعاطي المخدرات. إنها تدمر حياة
الناس.
لقد قلت هذا من قبل، و سأقوله مجددا: كثقافة و كمجتمع، إن لم نواجه مشكلة الإباحية
ستدمرنا. لقد غيرت مبدأ العنف الجنسي، الذي يُعلم لجيلٍ بأكمله، رأي ملايين من
الناس في الجنس، والعلاقات، وحتى في بعضهم البعض. الإباحية تُفسد الزواج، تخرب
العائلات، و تدمر حياة الناس. و قد آن الأوان منذ وقت طويل أن نفعل شيئا و ندرك
أننا ببساطة ليس لدينا خيار آخر: يجب أن نواجه هذه الكارثة؛ لأنها أصبحت في كل
مكان.
ترجمة: هناء مصلح
مقال مرعب بحق