
ما الفرق بين إدمان الإباحية وإدمان الجنس؟
يتطلَّب إدمانُ الجنس وجودَ أشخاصٍ حقيقين، أمَّا إدمان الإباحية فلا يتطلَّب سوى شاشةٍ إلكترونية.
يُبخَسُ حقُّ إدمان الإباحية عند الجمع بينه وبين إدمان الجنس تحت مسمًى واحدٍ؛ حيث يُعَدُّ إدمان الجنس بمعناه التقليدي نادرًا للغاية؛ ونتيجةً لذلك فقد يخلط الأطباء بين أعراض إدمان الإباحية وأعراض إدمان الجنس، فعلى سبيل المثال: تُوصَفُ الأدوية لعلاج ضعف الانتصاب عند شاب يتمتَّع بصحةٍ جيدةٍ، ولكنه مدمن على مشاهدة الإباحية، بدلًا من نصحه بالإقلاع عنها، ويُعالج آخرون أعراضًا مثل: الاكتئاب والتسويف ومشاكل التركيز بدلا من علاج الإدمان الذي قد يكون أساسًا وسببًا لهذه المشاكل.
يتَّضح الفرق بين إدمان الجنس وإدمان الإباحية في التقرير التالي لأحد مدمني الإباحية:
عمري ثلاثة وعشرون عامًا، في البداية حاولت أن أمارس الجنس في سن الثامنة عشرة، ولم أستطعْ، ومارست العادة السرية يوميا تقريبا لمدة ست سنوات، وأحيانا عدة مرات في اليوم الواحد، وكانت لي علاقات مع نساء، ولكن لم أصلْ للنشوة مُطلقًا مع أي منهنَّ، بالاختصار كانت حياتي الجنسية محبطة للغاية، وانتهت علاقتي الأخيرة بسبب مشاكل في الانتصاب، واتَّهمتني زوجتي بعدم الرغبة فيها، ولم يكن هذا صحيحًا، ولكن كيف تُصدِّقني إن لم يكن جسدي يستطيع تصديق تلك الرغبة؟
وفيما يلي توضيحٌ لبعض الاختلافات بين إدمان الإباحية وإدمان الجنس (الاضطرابات الجنسية):
- يقتضي إدمان الجنس وجود أشخاصٍ حقيقيين، في حين يقتضي إدمان الإباحية توافر شاشة إلكترونية، ويتعلَّق مدمنو الإباحية بالصور، وعمليات البحث، والتجديد البصري المتواصل، وفي المقابل يتعلَّق مدمنو الجنس (المضطربين جنسيًا) بتجديد الشركاء، والتلذُّذ الجنسي عن طريق اختلاس النظر، والاحتكاك بالآخرين، والجنس الخطر وهكذا، أمَّا إدمان الإباحية فقد يشمل هذه السلوكيات أو لا يشملها.
- يبدو إدمان الإباحية أقربَ إلى إدمان ألعاب الفيديو من إدمان الجنس؛ فهو غالبًا لا يمتدُّ إلى أنواعٍ أخرى من النشاطات الجنسية، وفي الواقع لا تستثير النساءُ الحقيقياتُ الكثيرَ من مدمني الإباحية، وحتى المثيرات منهن، فمقارنةُ إدمان الجنس بإدمان الإباحية أشبهُ بمقارنةِ هاوي جمعِ العاب الكرتوتية بمُقامرٍ في كازينوهات لاس فيجاس.
- تُشير تعليقاتُ مدمني الإباحية إلى رغبتهم إمَّا في الزواج أو التجاوُب الجنسيّ مع زوجاتهم -إذا كانو متزوجين-، أمَّا مدمنو الجنس فهم دائمًا يرغبون في تغيير الشركاء؛ فهم يُدمنون تجديد الأشخاص بدلًا من تجديد الصور.
- تَشيع مشاكل الأداء الجنسيّ بين مدمني الإباحية، ولكننا قليلًا ما نسمع عن مشاكلَ شديدةٍ في الأداء الجنسيّ بين مدمني الجنس.
- تتزايد مُعدَّلات إدمان الإباحية خلال سنوات المراهقة، -حيث يقوم المراهقون بتحميل أكبر قدرٍ من الأفلام الإباحية قبل انقطاع الإنترنت لعدم دفع الفاتورة-، ومع ذلك فقد ذكر بعضُ المدمنين الأكبر سنًّا أن إدمانهم تطوَّرَ حتى بعد استخدامهم للإنترنت عالي السرعة.
وباختصار فإنَّ مدمن الجنس يسعى لممارسته مع أشخاصٍ حقيقيين، بينما يفتقر مدمنو الإباحية إلى الممارسة الحقيقية، وفي الحقيقة قد يعتقد بعض الناس أن مدمني الإباحية هم أشخاص “سالبون/شواذ”، فما الذي يجعلهم يعتقدون هذا الأمر الغريب؟
الإباحية عبر الإنترنت: أكثر المعززات الطبيعية زيفًا!
ارتبطت المكافآت الطبيعية غير الضارة مثل: الطعام والجنس في العصور الحديثة بروابط غير طبيعية، وتَستخدم هذه الروابط المزيَّفة نفس المُشغِّلات العصبية التي تستخدمها المكافآت الطبيعية في أدمغتنا المُبرمَجة على متابعتها، ويحبُّها الدماغ الحوفي؛ ويميل دائمًا إلى التغاضي عن سلبياتها، فعلى سبيل المثال تلك الاختيارات المتنوعة من الطعام الرخيص الشهيّ الملئ بالسُّعرات الذي يتسبَّب في زيادة أوزان 79% من البالغين في أمريكا، ويدمنها 30% منهم (يُعانون من السمنة المفرطة)، وذلك بالرغم من العواقب الاجتماعية والجسدية الوخيمة التي يُسبِّبها تناول تلك الأطعمة، ويُعَدُّ إطلاق مصطلح (الإدمان) هنا هو من منظور طبي وليس استعارة، وهذا يعني أن دماغ المستهلك تتغيَّر نفس التغيُّر الجوهري الذي يحدث في دماغ مُدمني المواد المخدِّرة.
وقد شهدتْ المثيرات الجنسية تطوُّرًا أيضًا خلال ما لا يقلُّ عن ست سنوات؛ فأصبح المشتركون في خدمات الإنترنت ذات السرعة العالية قادرين على مشاهدة المواد الإباحية المتجدِّدة باستمرار بالمجان، وكانت النتيجةُ أن نسبة إدمان الإباحية بين الشباب الذكور تتناسب طرديًّا مع توافر الإنترنت، كما كشفت الأبحاث عن السنوات الخمس الماضية أن تسعة من كل عشرة من الشباب في سنِّ الجامعة (وحوالي ثلث الفتيات) يُدمنون مشاهدة الإباحية، وتعتمد الأفكار القديمة عن أخطار الإدمان على جوهر المادة المسبِّبة للإدمان، وليس على تلك النماذج غير الطبيعية من الطعام والجنس التي نراها اليوم؛ ولذلك ما زال يعتقد أكثر الخبراء في ندرة إدمان الجنس بأنواعه المختلفة.
وللأسف فإن شكاوى مُدمني الإباحية تتزايد بخصوص أمرين:
1- أنهم لا يستطيعون التوقُّف عن المشاهدة.
2- أن الإباحية تؤثِّر بشدَّةٍ على قدراتهم على الدخول في علاقات حقيقيَّة أو الزواج.
ولا أحد يعلم في الحقيقة أعداد مشاهدي الإباحية الذين يُصبحون مدمنين لها، ولكن يُلاحَظ تقافز معدَّلات إدمان الإباحية بين الشباب، وقد ذكرت دراسة حديثة أن واحدًا من كلِّ خمسة مراهقين مدمنٌ بالفعلِ.
يقول أحد مدمني الإباحية على الإنترنت: أدركتُ أنني أستطيع أن أصل للنشوة عن طريق الإثارة البصرية فقط بدون استخدام يداي؛ فقد تعوَّد دماغي الاعتماد على تلك الصور التي أُغذِّيه بها لكي أُستثار.
وبما أن الإباحية عبر الإنترنت من أكثر المُعزِّزات الطبيعية انتشارًا هي والطعام السريع، فهل ستفوق معدلات إدمان الإباحية معدلات السِّمنة في بعض المجتمعات؟
نعم، هذا ممكن جدًّا، حيث يُعَدُّ إفراز الدوبامين في أدمغتنا عند ممارسة الجنس أعلى منه عند تناول الطعام (ولم يتم قياس مستويات الدوبامين أثناء مشاهدة الإباحية؛ لعديد من الأسباب التقنية وغيرها)، وعلاوة على ذلك فإن استهلاك الطعام له حدود عكس مشاهدة الإباحية، وأيضًا لا يرغب الكثيرون في زيادة أوزانهم، بينما تزداد مشاهدة الإباحية قبولًا بين المجتمعات يومًا بعد يوم.
لماذا لا يُعتبر إدمان مشاهدة الإباحية “إدمانًا للجنس”؟
يعتبر د/ كارينز إدمان الجنس أمرًا غير شائعٍ، وذلك وفقًا لدراساتِه التي امتدَّت لسنواتٍ، وكشفت أبحاثه أن الأطفال الذين يتعرَّضون للإهمال، أو الإساءة، أو التحرُّش، أو الاغتصاب، أو أي نوعٍ من أنواع العنفِ أو الإساءة الجنسيَّة؛ هم أكثر عرضةً لإدمان الجنس (الاضطرابات الجنسية مثل الجنس الخطر وغيرها)، فهم يستخدمون الجنس كطريقة للهرب، ومعالجة أنفسهم، وتخدير آلامهم الجسدية، وشعورهم بعدم الأمان وعدم الاحتواء.
وعادة لا يُطابق هذا الوصفُ مدمني الإباحية الذين يزورون موقعنا، حتى لو عرَّفوا أنفسهم كمدمنينَ، ويصفُ نموذج د. كارنز مدمني الجنس بأنهم الذين يحتاج علاجهم من ثلاث إلى خمس سنوات، ويتطلَّب دعمًا كبيرًا؛ لتعود الحميميَّة الصحيَّة إلى حياتهم مرة أخرى، وفي المقابل يتعافى غالبية زائري موقعنا في غضون شهرين إلى أربعة أشهرٍ، حتى لو كانت أعراضهم حادَّة مثل العجز الناجم عن الإباحية، وقد تكون أعراض الانسحاب عصيبة، ولكن في النهاية يعود معظم الأشخاص إلى طبيعتهم وشخصياتهم الحقيقية.
ويُواجه مدمن الجنس صعوباتٍ كثيرة؛ ليستطيع ممارسة إدمانه، وأحيانًا خطر القبض عليه، أو الإصابة بأمراض، بينما لا يحتاج مدمن الإباحية إلا إلى ضغطة زرّ على شاشته المتاحة دائمًا.
ومن غير المفاجئ أن يشاهد الشباب تحت سنٍّ معيَّنٍ الإباحية، وأن يُدمنها كثيرٌ منهم؛ فمن الطبيعي جدًا أن ينجذب المراهقون الأصحَّاء (والأكبر سنًّا أيضًا) إلى ذلك المزيج المُفرط من المَشاهد التي تُدير الرأس، والتجدُّد المستمرّ، والإثارة المتاحة طوال الوقت الذي توفِّره الإباحية عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من حقيقة أن مدمني الإباحية لا يُطابقون تعريف د. كارنز لمُدمني الجنس، فيستمرُّ بعضُ الخبراء والكتَّاب في جمع إدمان الإباحية تحت مظلَّة إدمان الجنس (اضطرابات الجنس) بكلِّ بساطةٍ، ويُقلِّلُ اعتبارُ إدمان الإباحية فرعًا من فروع إدمان الجنس (نادر الوجود) من أهمية الأولِ،
وقد أكَّد أحدُ الخبراء أنه بما أن إدمان الجنس يُعدُّ أمرًا نادرًا فإن نسبة إدمان الإباحية -التي هي فرع من فروعه- تكاد تكون معدومة. أحقٌّ هذا؟!!
ويدَّعي بعض الخبراء أن أولئك الذين يُعانون من مشاهدة الإباحية، ولا يُطابقون تعريف د. كارنز لإدمان الجنس لا يمكن أن يكونوا مدمنين بالرغم من أنهم أنفسهم يعتقدون ذلك، ويُصرُّ هؤلاء الخبراء أن إدمان الإباحية لا يكون إلَّا عرَضًا لأمراضٍ أخرى مثل: إدمان الجنس، أو متلازمة نقص التركيز وفرط الحركة، أو الاكتئاب، أو الرهاب الاجتماعي، فهو مثل محاولة حشر التدخين تحت مُسمَّى إدمان المخدرات؛ فهذا يُعدُّ حجبًا للحقيقة، وتركًا لأولئك الذين يُعانون من إدمان الإباحية فقط في العراء وحدهم؛ ونتيجة لهذا المنطق الناقص تختلف الأبحاث حول آثار إدمان الإباحية اختلافًا كثيرًا عن الحقيقة المتفجِّرة، ولحُسن حظِّ مستقبل الإنسانية أقرَّت الجمعية الأمريكية لطبِّ الإدمان حديثًا أن الإدمان يُمكن أن يكون مرضًا بحدِّ ذاته؛ فهو تغيُّرٌ في وظائف المخِّ، بغضِّ النظرِ عن مشاكل الطفولة، وعن تداخل الإدمان أو عدمه مع سلوكياتٍ يجدها المجتمع مقبولةً أو غير مقبولةٍ.
خلاصةُ القول هي: لا علاقة بين إدمان الجنس وبين أغلب أنواع إدمان الإباحية؛ فقد يُشاهد بعض مدمني الجنس الإباحية للاستزادة، وقد يتعرَّض بعض مدمني الإباحية إلى مشاكل في طفولتهم، ويكون الأشخاص عرضةً للإصابة بإدمان الإباحية لذات أسباب إدمان الطعام وهي:
1- الإفراط في استخدام المعروضات المبهرة غير الطبيعية.
2- عدم مقاومة المنبِّهات غير الطبيعية.
3- البدء بمُشاهدة الإباحية خلال فترة المراهقة عندما يكون الدماغ في قمَّةِ سعيه للبحث عن الإثارة والتجدُّد.
الخلط بين الاستمناء ومشاهدة الإباحية يحجب “إدمان الإباحية”:
يفشل كِلا الخبراءِ ومُشاهدي الإباحية في التفريق بين مشاهدة الإباحية والاستمناء؛ فيعتقدُ الخبراءُ (الجيل القديم منهم) أن الإباحية على الإنترنت ما هي إلا وسيلةٌ مساعدة على الاستمناء، بينما لا يملك الجيل الأصغر أيَّ فكرة عن الاستمناء بدون مشاهدة الإباحية، وأن ذلك ممكنا، فقد بُرمجتْ أدمغتُهم على التجدُّد المستمرِّ، والمشاهد الصادمة التي يجدونها على الشبكة، ولم يمارس العديد منهم الاستمناء بطريقةٍ غيرها.
ويُسبِّب الخلطُ بين الاستمناء ومشاهدة الإباحية فجوةً خطيرةً في التواصل، ويتكرَّر على منتدانا هذا السيناريو: شابٌّ يُعاني من عدم القدرة على الانتصاب الطبيعي؛ فيستشير طبيبَ مسالكَ بوليةٍ، وإذا فكَّر في سؤاله إذا كان استمناؤه سببًا في المشكلة (يقصد: قضاءه عدة ساعات يوميًّا في مشاهدة الإباحية)، يجيبه الطبيب بأن الاستمناء (يقصد: الاستمناء الطبيعي التقليدي) لا يمكن أن يُسبِّب ضعفَ انتصابٍ أو أيًّا من هذه الأعراض التي تُصيبه؛ ولذلك فإن سبب مشاكله شيءٌ آخرُ، ويصفُ له بعض الأقراص ثم يُحيله إلى طبيبِ أمراضٍ جنسيَّةٍ، ويغادر الشابُّ مُقتنعًا أن مشكلته ليس لها حلٌّ، ويستمرُّ في جعل مشكلته أسوأ خوفًا من فقدان قدراته تمامًا.
ويُعتبر الخبراءُ مُحقِّين في أمرٍ واحدٍ فقط، وهو ندرة إدمان الاستمناء بدون الإباحية، وتتجاوز الإباحية اليوم كونها مجرَّد أداة مساعدة على الاستمناء؛ فهي تحلُّ محلَّ التخيُّلات بوجود العديد من النوافذ، وإمكانية البحث المستمرِّ، وتسريع الفيديو للوصول للقطة المناسبة وهكذا، وتتعدَّى إلى أن تُصبح مثيرًا عصبيًّا كيميائيًّا أكثر من الاستمناء الطبيعي.
فالإباحيةُ اليومَ تتجاوز مجرَّد النشوةِ، فالشبابُ لا يحتاجون بالضرورة إلى الاستمناء؛ لكي يصلوا إلى الذروة عندما يشاهدون الإباحية في العمل، وعند مشاركة المقاطع على تليفوناتهم، أو أثناء الطيران وغيرها.
وينشأ الالتباس حول الإباحية من ذلك المنطق المعيب الذي يتجاهل حقيقةً أساسيةً، فيبدأ الأمر باعتقاد صحيح وهو أن النشوة أمرٌ طبيعيٌّ لا يُمكن أن يُسبِّب الإدمان، ثم يتتابع إلى الاعتقاد بأن مشاهدة الإباحية عبر الإنترنت لا تُحدث تفاعلاتٍ كيميائيةً عصبيةً أكثر من تلك التي تحدث عند ذروة النشوة، فيُستنتجُ أن مشاهدة الإباحية لا يمكن أن تُسبِّب إدمانًا.
حسنًا إليكم الخطأ: لا يرتبط الإدمان بكميَّةِ الدوبامين الناتج فقط ، فعلى سبيل المثال يُدمن السجائرَ 80% من الأشخاص الذين يُجرِّبونها، بينما يُدمن الهروين أقلِّيَّة صغيرة من المستخدمين، ومن المعروف أن كميَّة الدوبامين الناتج في حالة السجائر أقلُّ بكثيرٍ مقارنةً بالناتج عن جرعة هيروين، وتكمنُ جاذبية السجائر في قدرتها على تدريب الدماغ مع كلِّ نفخة (جرعة من الدوبامين)، وبسبب ذلك لا يمكن قياس قدرتها على تشكيل الدماغ وتسبيب الإدمان عن طريق ارتباطهم بتأثير الموصِّلات الكيميائية العصبية، وقد أوضح الدكتور ديفيد ليندن هذه النقطة في كتابه “بوصلة المتعة”.
ومن المرجَّح أن إدمان الجنس يُشابه إدمان الهروين في وجود حدودٍ لعدد المرَّات التي يستطيع المدمنُ فيها الحصولَ على مبتغاه، ويحتاجُ المدمن في العموم إلى تعزيز وصلات عصبيةٍ كيميائيةٍ تخصُّ طقوسِ إدمانه، وعلى الجانب الآخر يبدو إدمان الإباحية أقربَ إلى تدخين السجائر؛ حيث يسهل الحصول على كليهما، وتُوفِّر الصور المتجددة دفعاتٍ من الدوبامين كمكافأةٍ تدرِّبُ الدماغ على تكرار السلوك.
وباختصار، لا تُعتبر تلك الجرعات الكيميائية العصبية التي تنطلقُ عند الوصول للنشوةِ هي سببُ إدمان مشاهدة الإباحية، وذلك على الرغم من أن النشوةَ تُعزِّزُ الرغبة في مشاهدة الإباحية، ويُعدُّ المسبِّبُ المرجَّحُ للإدمان هو التجدُّدُ المتاح دائمًا الذي توفِّره الإباحية عبر الإنترنت.
يحكي أحدُ الشباب عن تجربة شائعةٍ يمرُّ بها كثيرون عند محاولاتهم “إصلاح” أدمغتهم فيقول: على الرغم من اشتداد رغبتي في مشاهدة الإباحية في بعص الأحيان خلال مدة التعافي، إلا أن رغبتي في الاستمناء لم تكن قويَّةً أبدًا، وكان هذا أكثر ما يُقلقني، وهو أن دماغي يشتاق إلى الإباحية أكثر من اشتياقه للاستمناء/ أو الوصول للنشوة.
ويتشابه إدمان الإباحية اليومَ كثيرًا مع إدمان ألعاب الإنترنت؛ حيث يعتمد الشخص على جرعات صغيرة ثابتة من الدوبامين تحدثُ نتيجةَ الإثارة والتجدُّد البصريّ المستمرِّ، فكلاهما لا يحتاج إلى مجهود، ولا يحتاج إلى بحثٍ عن شريكٍ حقيقيٍّ.
مُحاصرون في عالمٍ افتراضيّ!
لا يُعدُّ مدمنو الإباحية مُدمنين للجنس، بل هم مدمنون على مشاهدة الإباحية؛ فهم لم يُمارسوا الجنسَ فعليًّا، بل هي محاكاة افتراضية.
أحد المُعلِّقين يقول:
أتمنَّى أن أتعافى؛ فأنا أُشاهد الإباحية منذ ثلاثين عامًا، وكانت سببًا في جعلي أربعينيًّا عزبًا، وقد بدأت مشاهدة الإباحية في سنِّ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وكنت أنجذبُ فقط للنساء الخياليات، ولم أستطع أبدًا أن أقذف بدون مشاهدة الإباحية، وكنتُ أفعلها كثيرًا، ثم أتيحتْ لي عدة فرص للتزاوج مع نساء، ولكن فشلتُ فشلًا ذريعًا، وفي وقتٍ سابقٍ من هذه السنة فشلتُ مرة أخرى مع فتاة كنتُ أحبُّها؛ فقرَّرتُ أخيرًا وبعد ثلاثين عامًا أن أفعل شيئا، وكانتْ المشكلة هي أني لم أطوِّرْ فعليًّا مهاراتٍ حقيقةً تُؤهِّلُني للزواج؛ فكلُّ خبراتي
منذ الصغر تتوقَّف عند الإباحية، وها أنا الآن بعد ثلاثة وثلاثين يومًا من الإقلاع عن الإباحية والاستمناء أشعر وكأني في غابةٍ كثيفة الأغصان، لم تطأْها قدمٌ قبلي، ولا أملك إلا إرادتي؛ لدفع تلك الأغصان، ومشاهدة النور.
ويضع عدم الاعتراف بإدمانِ الإباحية كمرضٍ، وإخفاء مدمني الإباحية الذين يعانون من أعراض الإدمان؛ في موقف لا يُحسدون عليه؛ حيث تقع عليهم مسئولية اكتشاف الأمر بأنفسهم، وليس سهلًا عليهم أن يربطوا بين المشاكل الجنسية (أو القلق المرتبط بمشاهدة الإباحية أو مشاكل التركيز) التي تصيبهم وبين مشاهدة الإباحية، فرغم كلِّ شيءٍ فالإباحيةُ عبر الإنترنت مثيرٌ قويٌّ للشهوة الجنسية، وتجعل أيضا المشاهدين يشعرون بشعورٍ جيدٍ أثناء المشاهدة؛ ولذلك يَنسبُ المدمنون الأعراضَ التي تُصيبهم إلى أسبابٍ أخرى، أو يستنتجون ببساطةٍ أن هذه الأعراض هي طبيعةُ شخصياتهم.
وفي الوقت الحالي يُصعِّبُ الخبراءُ وبعض الكتَّاب سليمي النيَّة رحلةَ العلاج على أولئك المُعرَّضين لخطر إدمان الإباحية، وخصوصًا الذين يحتاجون إلى مساعدة ضرورية بسببِ المشاكل التي تعرَّضوا لها في صغرهم، والذين أُسروا في سجن “الإباحيةُ لا تضرُّ”.
وأكثر من ذلك فإن المدمنين المراهقين يربطون استجاباتهم الجنسية بالصور وليس بالأشخاص؛ ويُؤدِّي ذلك إلى فشلِهم التام في أي تجربةٍ جنسية حقيقية -وقد يتلقّون الإهاناتِ جرَّاء ذلك-، ولا يستطيعون التمتُّعَ بالجنس الحقيقيّ، فهل يُضطرُّ هؤلاء إلى الانتظار حتى يُصبحوا مدمنين بالكامل؛ ليستطيعوا البدءَ
في العلاج؟
مراجعة: الأستاذ محمد حسونة