
تقرير أندرسون كوبر:
يقول تريستان هاريس مدير في Google : إن مهندسي برامج الهاتف يعملون على هندسة هاتفك وتطبيقاتك، ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بك بطريقة تجعلك تدمنها\ تتعلق بها.
هل تساءلت يومًا ما إذا كان كل هؤلاء الأشخاص الذين تراهم يحدّقون باهتمام في هواتفهم الذكية مدمنين عليها؟ وفقًا لتريستان هاريس يقول: بأن مهندسي تطبيقات التواصل الاجتماعي يصممونها بطريقة تجعلك تدمنها. وهذا المدير هو واحد من عدد قليل من المطّلعين على التكنولوجيا، الذين يعترفون علنًا بأنَّ الشركات المسؤولة عن برمجة هاتفك تعمل بجدّ لجعل مستعمل الهاتف متعلق به. يطلق عليه بعض المبرمجين مصطلح: “اختراق الدماغ” وربما يفضل مهندسو البرامج أن لا تسمع وتعرف ذلك المصطلح. لكن تريستان هاريس يتساءل بصراحة عن العواقب طويلة المدى لكل ذلك، ونعتقد أنه من الجدير وضع هاتفك بعيدًا وقراءة المقال.
تريستان هاريس: هذا الشيء (الهاتف) عبارة عن آلة قمار.
أندرسون كوبر: كيف يكون آلة القمار؟
تريستان هاريس: حسناً في كل مرة أرفع فيها هاتفي لأرى ما هي التنبيهيات الجديدة التي وصلتني تماماً مثل رمي النرد في لعبة القمار، وتنتظر المكافأة. وهذا بدوره يشكل عادة لدى الإنسان بأن يكون دائم النظر في التنبيهات ليحصل على تلك المكافأة، مثل وصول تنبيه بأنَّ هناك مَنْ علَّق على صورتك الجديدة تعليقا إيجابيا أو بأن هناك متابعين جددًا على الإنستجرام.
تريستان هاريس: هناك أفكار لا حصر لها نفذت من أجل استخدام الهاتف\ وسائل التواصل لأطول فترة ممكنة.
أندرسون كوبر:أمثلة على الأفكار:
تريستان هاريس: مثال برنامج سناب شات وهو من أكثر البرامج شعبية لإرسال الرسائل بين المراهقين. وقد اخترعوا هذه الميزة المسماة: “سلسلة من الانتصارات” والتي تعرض عدد الأيام المتتالية التي قمت بإرسال رسالة ذهابًا وإيابًا مع شخص ما. لذا يمكنك الآن أن تقول: “ما المشكلة الكبرى هنا؟” حسنًا المشكلة هي أن الأطفال يشعرون بأنهم لا يريدون خسارة ذلك الرقم؛ لأنه في حال انقطاع التواصل سيختفي الرقم. مما يجعل الأطفال تحت ضغط عندما يذهبون في عطلة، ولا يكون هناك إنترنت بأن هذا الرقم سيختفي مما يدفعهم أنهم يعطون كلمة المرور الخاصة بهم لشخص عزيز؛ للحفاظ على هذه الأرقام. لذا يمكنك أن تسأل عندما تم تصميم هذه الميزات هل تم تصميمها لمساعدة الناس على عيش حياتهم بصورة صحية؟ أم أنها مصممة؛ لأنها الأفضل في جذب الناس لاستخدام البرنامج؟
أندرسون كوبر: هل المبرمجون يبرمجون البرامج أم يبرمجون عقول البشر ؟
تريستان هاريس: سواء كانوا يريدون برمجة عقول المستخدمين أم لا فهم فعلياً يشكلون أفكار ومشاعر وأفعال المستخدمين ويبرمجونهم. هناك دائمًا هذه الرواية التي تقول: إن التكنولوجيا محايدة، والأمر متروك لنا؛ لاختيار كيفية استخدامنا لها، وهذا ليس صحيحا.
أندرسون كوبر: التكنولوجيا ليست محايدة:
تريستان هاريس: إنها ليست محايدة، يريدون منك استخدامها بطرق معينة ولفترات طويلة من الزمن؛ لأن هذه هي الطريقة التي يكسبون بها أموالهم.
من النادر أن يكون العامل في التكنولوجيا صريحًا للغاية، ولكن تريستان هاريس يعتقد أنه ينبغي للشخص أن يكون صريحا. قبل بضع سنوات كان يعيش حلم وادي السيليكون (مكان في أمريكا في ولاية كاليفورنيا يشتهر بكثرة شركات التقنية) وترك برنامج الماجستير في جامعة ستانفورد ليبدأ شركة برمجيات. بعد ذلك بأربع سنوات اشترت شركة Google شركته، وعينته كمدير، وعندما كان يعمل مع شركة Google بدأ يشعر بالإرهاق.
تريستان هاريس: بصراحة ، لقد أرهقت من كثرة رسائل البريد الإلكتروني، والضغط الزائد لما يترتب عليه العمل في مكان مثل Google. وكنت أسأل نفسي على الدوام: متى يضيف كل هذا الجهد المبذول فائدة فعلية لحياتي؟ ومن أجل الجواب على ذلك السؤال قمت بإعداد ملف عرض يتكون من 144 صفحة.
جادل عرضه المكون من 144 صفحة أن التشتّت المستمر للتطبيقات ورسائل البريد الإلكتروني يضعف علاقاتنا ببعضنا البعض، ويدمر قدرة أطفالنا على التركيز. وتمت قراءة ملف العرض على نطاق واسع داخل Google ولكن هاريس أخبرنا أنه لم يؤد إلى أي تغييرات، وبعد ثلاث سنوات استقال.
تريستان هاريس: وملفات العرض لم تحدث تغييرا، ليس بسبب أن أصحاب القرار لهم نوايا سيئة، ولكن بسبب أن الأمر يتمثّل في كيفية جذب المستخدم لاستخدام المنتج لأطول فترة ممكنة. والمشكلة أن يصبح الأمر أن تتسابق شركات برامج التواصل الاجتماعي في كيفية الوصول لدماغك؛ لكي تستعمل منتجاتهم لفترات أطول. ولكن من المؤسف أن هذا الأمر لا يفضي إلى أمر نرغب به، مما يجعلنا لا نشعر بالسعادة حيال الاستعمال المطول لبرامج التواصل.
أندرسون كوبر: تسمي هذا: “السباق للوصول إلى الدماغ” هل هو سباق إلى أكثر المشاعر بدائية لدينا؟ الخوف ، القلق ، الوحدة ، وكل هذه الأشياء؟
تريستان هاريس: بالتأكيد وهذا مرة أخرى؛ لأنَّه السباق من أجل جذب انتباه المستخدم، وسيتم عمل أي شيء من أجل جذب ذلك الانتباه. ويحاول هاريس الآن إقناع المبرمجين وأي شخص آخر إلى أن نموذج الأعمال لشركات التكنولوجيا يحتاج إلى التغيير وأنه يريد برامج مصممة لتحقيق أقصى استفادة من وقتنا، وليس فقط جذب انتباهنا.
أندرسون كوبر: هل تعتقد أن الآباء يفهمون التحديات التي يتعامل معها أطفالهم في استعمال الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي؟
تريستان هاريس: لا ، وأعتقد أنه من المهم أن يفهموا التحديات التي يتعامل معها أبناؤهم عندما يستعملون الهواتف. قد يقول بعض الآباء: أعتقد أن طفلي متعلق بالهاتف مثلما كنا نفعل عندما تعلقنا بالهواتف عند صدورها، وهذا تصور خاطئ؛ لأنَّ الهواتف التي صُمّمت في بداية السبيعنات لم يكن وراءها آلاف المبرمجين الذي يسعون لجعل الشخص يقضي أكبر قدر ممكن من الوقت على الهاتف.
أندرسون كوبر: كم من المبرمجين\ المسؤولين يتحدثون عن الهواتف المحمولة مثلما تفعل؟
تريستان هاريس: ليس الكثير.
تواصلنا مع أكبر شركات التكنولوجيا ولكن لم تتحدّث أي منها بشكل رسمي، ولم يرد البعض حتى على مكالمتنا الهاتفية. تقول معظم شركات التكنولوجيا: أن أولويتها هي تحسين تجربة المستخدم للبرامج. لكنهم يظلون متكتمين بشأن ما يفعلونه؛ لإبقاء الناس ملتصقين بشاشاتهم، لذلك وجهنا أسئلتنا إلى المبرمج رامزي براون.
رامزي براون: مبرمج كمبيوتر يفهم كيف يعمل الدماغ، ويعرف كيفية كتابة التعليمات البرمجية التي تجعل الدماغ يقوم بأشياء معينة.
درس رامزي براون علم الأعصاب قبل المشاركة في تأسيس مختبرات الدوبامين، وهي شركة ناشئة. تم تسمية الشركة على هرمون الدوبامين الذي في أدمغتنا والذي يساعد في خلق الرغبة والمتعة. يبرمج براون وزملاؤه للتطبيقات التي تستخدمها شركات اللياقة البدنية والشركات المالية، ويتم تصميم التطبيقات؛ لإثارة استجابة عصبية في الدماغ.
أندرسون كوبر: أنت تحاول اكتشاف كيفية جعل الأشخاص يستعملون التطبيقات لفترة أطول:
رامزي براون: متى ينبغي أن أجعلك تشعر بالسعادة من أجل أن تمكث وقت أطول في استعمال التطبيق؟
تجد برمجة التطبيق الذي ينشئه رامزي أفضل لحظة لمنحك جرعة من الدوبامين والتي ليس لها قيمة فعلية، ولكن رامزي يقول: إنها تُحفِّز عقلك؛ ليجعلك تريد المزيد.
على سبيل المثال على Instagram أحيانًا الإعجابات على المنشورات تأتي كمجموعة مثل أن يأتيك إشعار ويقول لك: بأن هناك 30 إعجابا لم تلقِ نظرة عليهم، والسؤال: لماذا يتم إرسال الإشعار الآن؟ والسبب هو أنَّه هناك خوارزميات تتوقع بأنه عندما يتمّ إرسال لك هذا النوع من الإشعار في هذا الوقت من اليوم فإنّه من المتوقع أن تستعمل التطبيق لفترة طويلة.
رامزي براون: أنت جزء من مجموعة خاضعة للتجارب التي تحدث في الوقت الفعلي عليك وعلى ملايين الأشخاص الآخرين.
أندرسون كوبر: نحن فئران تجارب:
رامزي براون: نعم فأر تجارب موضوع في صندوق، ويضغط على أزرار مختلفة، وأحيانًا تحصل على الإعجابات، وهم يفعلون ذلك لإبقائك هناك، فكلما نظرنا إلى شاشاتنا لفترة أطول زادت البيانات التي تجمعها الشركة عنا، مما يعني مزيدا من الإعلانات التي نراها. وهذا أدّى إلى تضاعف الإنفاق على الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي خلال عامين فقط إلى أكثر من 31 مليار دولار.
رامزي براون: أنت لا تدفع جراء استعمالك لوسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك؛ لأن الموقع يجني من خلال مشاهدتك للإعلانات المرفوعة على الموقع.
يقول براون: إن هناك سببًا وراء استخدام فيسبوك خاصية رفع الشاشة للأعلى من أجل رؤية المنشورات الأخرى؛ لأنها طريقة مثبتة لإبقائك تبحث لفترة أطول. في الغالب يقضي الشخص نصف وقته في رفع الشاشة للأعلى من أجل البحث عن منشور يروق له ويحدث هذا بسبب أن التصميم مصمم؛ ليجعل الشخص يدمن البحث عن ذلك المنشور الرائع.
أندرسون كوبر: أنت تقريبًا تقول: أنه توجد هناك برمجة تسبب الإدمان.
رامزي براون: نعم ، منذ أن اكتشفنا كيف تعمل أجزاء من الدماغ بدأنا بتطبيقها في برمجيات التطبيقات.
بينما يستغل رامزي براون قوة الدوبامين يبحث عالم النفس لاري روزين وفريقه في جامعة ولاية كاليفورنيا دومينغيز هيلز عن تأثير التكنولوجيا على مستويات القلق لدينا.
لاري روزين: نحن ننظر إلى تأثير التكنولوجيا من خلال الدماغ والذي اكتشفناه: أنه عندما تضع هاتفك – يرسل دماغك إلى الغدة الكظرية رسائل لإنتاج هرمون يسمى الكورتيزول، والذي له هدف بقائي؛ لكي يستجيب الإنسان للقتال أو الهروب من الخطر.
أندرسون كوبر: كيف يرتبط الكورتيزول بالهاتف ؟
لاري روزين: ما نجده هو أن الشخص في المتوسط يتحقّق من هاتفه كل 15 دقيقة أو أقل، ونصف الوقت الذي يتحقّق فيه من هاتفه ليس هناك تنبيه أو إشعار. وهذا التحقق يكون نتيجة تساؤل يدور في الدماغ مثل: لم أتحقق من حساب الفيسبوك، لعل هناك مَنْ علَّق على منشوري. وهذا التساؤل يولد الكورتيزول ويبدأ في القلق وفي النهاية هدفك هو التخلص من هذا القلق، لذلك تجد نفسك قمت بالتأكد من الهاتف. لذا فإن نفس الهرمون الذي جعل الرجل البدائي قلقًا في محيطه؛ لمنعه من أن تأكله الأسود اليوم يجبر الطلاب وكلنا باستمرار على إلقاء نظرة خاطفة على هواتفنا؛ لتخفيف قلقنا. وعندما تقوم بإبعاد هاتفك عنك وإغلاقه فإنك لا تغلق عقلك، بل تقوم فقط بإغلاق الهاتف.
أندرسون كوبر: لكي أكون صادقاً معك لم أنتبه لما قلته للتو، فقط كنت أنظر للهاتف؛ لكي أرى ما إن كان هناك شخص ما قد أرسل شيء.
لاري روزين: وهذا يجعلك تشعر بالقلق.
أندرسون كوبر: نعم، أشعر بالقلق قليلاً.
وستقيدنا نانسي شيفر زميلة لاري روزين في الأبحاث؛ لكي نفهم أكثر مستوى القلق الحاصل في أجسادنا جراء استعمال الهاتف.
نانسي شيفر: أول شيء سأقوم به هو تثبيت هذه الأقطاب الكهربائية على أصابعك. أثناء مشاهدتي لمقطع فيديو تتبع جهاز الكمبيوتر تغييرات دقيقة في معدل ضربات القلب والتعرق. ما لم أكن أعرفه هو أن نانسي شيفر كانت ترسل رسائل نصية إلى هاتفي، وكان الهاتف بعيدا عني. في كل مرة أسمع فيها تنبيهات الهاتف كان الخط الأزرق يرتفع؛ مما يشير إلى القلق الناجم جزئيًا عن إطلاق الكورتيزول.
نانسي شيفر: أوه ، هذا هو … هذا ارتفاع كبير هناك ربما لا يمكنك الشعور بإفراز هرمون الكورتيزول؛ لأنها كمية صغيرة من الإثارة.
أندرسون كوبر: تشير أبحاثهم إلى أن هواتفنا تبقينا في حالة قلق مستمر، يكون فيها الترياق الوحيد هو الهاتف.
أندرسون كوبر: هل من المعروف ما هو تأثير كل هذه التكنولوجيا علينا؟
لاري روزين: لا على الإطلاق.
أندرسون كوبر: ما الذي تفعله التكنولوجيا لعقول الشباب والمراهقين؟
لاري روزين: هناك بعض المشاريع الجارية حيث يقومون بدراسة أدمغة المراهقين على مدار 20 عامًا ويتطلعون لمعرفة نوع التغييرات التي يجدونها.
عمل غابي زشرمان مع عشرات الشركات – بما في ذلك Apple و CBS لجعل منتجاتها عبر الإنترنت لا تقاوم، ويسهل إدمانها، وهو معروف بخبرته في شيء يسمى “التلعيب”، وهو استخدام تقنيات من ألعاب الفيديو؛ لإدخال المرح والمنافسة في كل شيء تقريبًا على هاتفك الذكي.
غابي زشرمان: من أحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول التلعيب والتقنيات الجذابة الأخرى هو أن في نفس الوقت الذي يمكننا فيه القول بأن علم الأعصاب يستخدم لخلق سلوك إدماني لمواقع التواصل الاجتماعي يتم استخدام نفس التقنيات؛ لجعل الناس يمارسون الرياضة مثل برنامج Fitbit لذلك كل هذه التقنيات يمكن استخدامها للخير، أو يمكن استخدامها للشر.
يعمل غابي زشرمان الآن على برنامج يسمى “Onward” المصمم لكسر عادات المستخدم السيئة للهاتف وللإنترنت. سوف يتتبع التطبيق نشاط الشخص، ويمكن أن يوصي بفعل شيء آخر عندما يقضون الكثير من الوقت عبر الإنترنت.
غابي زشرمان: أعتقد أنه يجب على منشئي المحتوى جعل المحتوى الخاص بهم جيدًا قدر الإمكان.
أندرسون كوبر: ما رأيك في الفكرة القائلة بأن شركات التكنولوجيا لن تحاول جعل منتجها جذابًا ومسببًا للإدمان ؟
غابي زيشيرمان: مطالبة شركات التكنولوجيا ومنشئي المحتوى بأن يكونوا أقل جودة فيما يفعلونه، وأن يكون المحتوى غير إدماني أمر مستحيل، كما إنها فكرة معادية للرأسمالية، وهذا ليس النظام الذي نعيش فيه.
المصدر (تمت الترجمة بتصرف)
ترجمة: خالد يعقوب الجيدة
مراجعة: محمد حسونة