
يُعتبر البشر كائنات عاطفية، يحتاجون إلى بعضهم البعض. نحن مُبرمجون لكي نتواصل معا، كما أننا ننتعش ونسعد أفضل في وجود العلاقات الدائمة السعيدة. في خضم احتياجاتنا الاجتماعية للتواصل والانتماء، يحتاج الكثير من الناس إلى العواطف والرومانسية أيضا. في الواقع، يحب معظم البشر الرومانسية. لذلك، فليس من المفاجئ أن نَعْلَق في أي شئ يمكن أن يحسن علاقاتنا الرومانسية.
لذا، ماذا عن الإباحية؟ هل سمعت قبلا عن شخص يقول أن الإباحية تساعد علي تحسين العلاقات الرومانسية؟ أو أن الإباحية تمثل طريقة جيدة لإحماء وزيادة أواصر العلاقة بين الشريكين؟ غالبا ما يسلك الجدال هذا الطريق “ربما لا تمدك الإباحية بالجنس الحقيقي، ولكن ستساعدك الإباحية علي ممارسة الجنس الحقيقي بصورة أفضل – وهذا أمر عظيم لتحسن العلاقات الرومانسية.”
هل هذا حقيقي؟
فلنلقي نظرة حول ما تقوله الأبحاث عن هذا الأمر. الإجابة تختلف اعتمادا علي طريقة نظرتنا لهذا الأمر، هل ننظر إلى النتائج قصيرة الأمد أم طويلة الأمد.
النتائج قصيرة الأمد المبلغ عنها ذاتيا.
إنها لفكرة جذابة جدا، فمن السهل فهم لماذا يصدق الناس أن الإباحية تفيد الأزوج.
ظاهريا، تظهر الإباحية علي أنها تمد بالشرارة الفورية للإثارة والتجديد .. علي الأقل في البداية. وهذا بالظبط ما تظهره الدراسات ” التأثير الإيجابي للإباحية علي العلاقات” بقياس التأثير المبدئي، السطحي، والمبلغ عنه ذاتيا والإيجابي لأثرها علي العلاقات. لوهلة، أظهرت إحدي الدراسات أن الأزواج الذين يشاهدون الإباحية سويا يظهرون قدرا أكبر من “الاكتفاء الجنسي” من الذين لا يشاهدون تلك الأفلام – ولكن نؤكد كما ذكرنا سابقا، أنهم يقصدون “التجديد والإثارة” التي يعتقد أن الإباحية تمد بالشرارة الأولى لها.
العامل الآخر في المعادلة هو مدى طول العلاقة. أبلغت العديد من الدراسات عن أن الآثار الإيجابية المتصورة للإباحية علي الأزواج دُرست فقط علي الأشخاص الذين كانوا في بداية علاقاتهم وتواعدهم. ولكن مع تزايد طول و جدية العلاقة، تظهر الأثار الجانبية السلبية التي تدمر الأزواج.
النتائج طويلة الأمد المرصودة.
ولكن الحقيقة أننا لا نستوضح نتيجة أي أمر بجلاء إلا بعد أن نتابع تأثيراته علي المدى الطويل. فعلى سبيل المثال لا الحصر، انظر إلى أنماط الأكل والتمارين عند بعض الناس، ستجد أنهم يستمتعون بأكل الوجبات السريعة علي المدي القصير، ولكن إذا نظرت بصورة أكثر شمولية إلي تأثيرها علي المدي الطويل ستجد أن الآثار السلبية الغير صحية لها ستبدأ في الظهور بجلاء عليهم.
وعلى المدى الطويل ماذا يحدث للرومانسية بين الأزواج الذين يستهلكون الإباحية؟ ترسم الدراسات طويلة المدى صورة مختلفة لهذا الأمر. فالنتائج الثابتة من العديد والعديد من الدراسات الأكثر عمقا، طويلة المدى تظهر بشكل دائم أن استهلاك الإباحية يقلل من مشاعر الاكتفاء في العلاقات، التقارب العاطفي، والاكتفاء الجنسي. وهذا لا يبشر بالخير، أليس كذلك؟ وهذه بعض الأمثلة من فرق بحثية مختلفة:
في دراسة لعام 2012 أجرتها أماندا مادوكس وفريقها البحثي، استخلصت من نتائجها، أن الأفراد الذين لم يشاهدوا مواد إباحية صريحة أظهروا كفاءة أعلى في علاقاتهم ( في جميع المقاييس) مقارنة بهؤلاء الذين شاهدوا مواد إباحية صريحة من تلقاء أنفسهم.
دراسة جديدة أخري أجريت في العام 2017 إختبرت التأثير بين الأزواج الذين يستهلك أحدهم مواد إباحية أكثر من الآخر – والذي يمثل نمطا شائعا ومتكررا جدا. واستنتج الباحثون أنه كلما زاد الفارق بين الزوجين كلما قلل ذلك من معدلات الاكتفاء في العلاقة، واستقرارها، والتواصل الإيجابي فيها، كما زاد من العنف المرتبط بها.
وفي واحدة من تلك الدراسات القليلة التي درست العلاقة علي المدى الطويل بين المتزوجين لعدة سنوات. ظهر أن استهلاك الإباحية، خاصة حينما يتكرر الأمر من الزوج، يضر بكفاءة العلاقة والاكتفاء فيها. حيث استنتج الباحثون:
” في العموم، أبلغ الكثير جدا من الأشخاص المتزوجين منذ 2006 والذين شاهدوا الإباحية نقص حاد في مستوي الكفاءة الزوجية في 2012، بالمقارنة مع معدلات الكفاءة الزوجية في بداية زواجهم. لم يكن تأثير الإباحية مجرد عامل ثانوي في مشاعر عدم الرضا في الحياة الجنسية أو اتخاذ القرارت الزوجية في 2006. فمن حيث التأثير الجوهري. كان معدل استهلاك الإباحية منذ 2006 هو ثاني أقوى عامل متنبئ لكفاءة الزواج في 2012.”
هذا هو ما تظهره الدراسات طويلة المدى والأكثر عمقا في هذا المجال. في الحقيقة، نحن لا نعلم أي دراسة ( بعيدا عن الدراسات قصيرة المدى) أظهرت أي تأثير إيجابي لدي الأفراد الذين يستهلكون المواد الإباحية من ناحية كفاءة وازدهار العلاقة بشكل عام، أو من من ناحية نظرة الرجال بصورة أفضل إلى زوجاتهم.
هذا الأمر ليس مفاجئ، أليس كذلك؟ إنه من الصعب جدا تخيل شخص في أي مكان شعر بالتزام، بحب أو بإثارة أكثر تجاه شريكه أو شريكته بعد استهلاك الإباحية.
خلاصة القول هي أن ما إذا كانت الإباحية “تساعد أو لا في العلاقة” تعتمد علي تعريفك لكلمة “مساعدة.”
أنتحدث عن الإثارة قصيرة الأمد؟ إذا كان كذلك، فلا تستغرب أن بعض الأفراد أو الأزواج يبلغون بشعورهم “بالاستثارة” أو “بالتجديد” حينما يستهلكون الإباحية سويا – حيث أن هذا هو القالب التقليدي الذي يستخدمه صناع الإباحية لصناعة منتجاتهم. ولكن، ماذا يعني هذا للعلاقة، حينما يحتاج الأزواج إلي اكتشاف ما يثيرهم جنسيا بعيدا عن علاقتهم مع بعضهم؟ ماذا يعني هذا حينما يحتاج شريكك أن ينظر لشخص أخر ليشعر بالانجذاب والوئام معك؟ ماذا يعني هذا حينما تحتاج أنت إلى النظر لشخص أخر لتشعر بالانجذاب لشريكك؟ هناك الكثير من الطرق التي تحافظ علي الإثارة والانجذاب في الحياة الحقيقية للأزواج بدون الحاجة إلى مشاهدة صور صريحة لغرباء يمارسون الجنس على الشاشة.
أم أننا حينما نطلق لفظ “ساعدوا العلاقة” نقصد الحديث عن تلك العلاقة طويلة الأمد، العميقة التي تمتاز بالاكتفاء والاستقرار؟ تقريبا لم يذكر أي شخص مساعدة الإباحية له في هذا الأمر. لقد خُلقت العلاقات الحقيقية لهؤلاء الأشخاص الحقيقيين الواعين الذين ينجذبون لبعضهم البعض بطرق أصيلة وحقيقية. ولكي تستمر للأبد لا بد أن يكون الشريك انجذب للآخر كوحدة واحدة، أن يكون انجذب لذلك الشخص ثلاثي الأبعاد الذي يقف أمامه لا لشبيه ذلك الشخص الذي يشاهده في الأفلام الجنسية. الأمر أكثر من مجرد أن تكون صورة مُتخيلة أو محاولة لمحاكاة عالم مبالغ فيه من سيناريوهات مكتوبة ومعدلة للإباحيات الجنسية.
لذا فالأمر عائد لك: مانوع العلاقة التي تريد أن تحظي بها؟ ما نوع ” العلاقة القوية” التي تبحث عنها؟ علي حسب الطريقة التي تجيب بها عن هذا السؤال، سيؤدي بك هذا لاستنتاج أشياء مختلفة عن الإباحية – وتأثيراتها المحتملة عليك وعلى العلاقة التي تنغمس فيها الآن، أو التي تريد أن تحظى بها في المستقبل.
ترجمة: عبدالله ماهر